سيكولوجيا اكتساب العادات وطرقها

سيكولوجيا اكتساب العادات: ما هي؟ وكيف تكتشف أسرارها؟

في عالمنا الحديث، أصبح اكتساب العادات وتحقيق أهداف الحياة الشخصية والمهنية أمرًا أساسيًا للنجاح. سواء كانت العادات مرتبطة بالصحة أو الإنتاجية أو التحسين الشخصي، فإن قدرتنا على تبنيها والمحافظة عليها تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل حياتنا. لكن كيف نكتسب العادات؟ ما هي السيكولوجيا وراء هذه العملية؟ وكيف يمكننا فهم أسرار العادات لتحسين حياتنا بشكل فعال؟

1. مفهوم العادة من منظور نفسي

العادة هي سلوك أو فعل يتكرر بشكل دوري ويصبح شبه تلقائي بعد فترة من الزمن. من الناحية النفسية، يمكن فهم العادة كاستجابة تعلمية تكتسب عبر تكرار السلوك في سياق معين، مما يجعل الدماغ يتبنى هذا السلوك كخيار مفضل و”معتاد”. وعلى الرغم من أن العادات قد تتفاوت في قوتها وتأثيرها، فإنها تعد جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.

2. آلية تكوين العادات: دورة العادة

تشير الدراسات النفسية إلى أن العادات تتشكل من خلال دورة تكرر نفسها بشكل مستمر. هذه الدورة تتكون من ثلاث مراحل رئيسية: المثير، الروتين، و المكافأة.

• المثير: هو المحفز أو العامل الذي يدفع الفرد إلى القيام بسلوك معين. يمكن أن يكون المثير داخليًا (مثل الشعور بالجوع) أو خارجيًا (مثل رؤية شخص آخر يمارس نشاطًا معينًا).

• الروتين: هو السلوك أو العادة نفسها التي ينفذها الشخص استجابة للمثير. على سبيل المثال، إذا كان المثير هو الشعور بالملل، فقد يكون الروتين هو تناول الطعام أو التصفح على الإنترنت.

• المكافأة: هي الفائدة أو الإشباع الذي يحصل عليه الشخص بعد تنفيذ السلوك. هذه المكافأة قد تكون فورية (مثل الشعور بالراحة بعد تناول الطعام) أو طويلة المدى (مثل تحسين الصحة بعد ممارسة الرياضة).

كلما تكررت هذه الدورة بشكل مستمر، أصبحت العادة أقوى وأسرع في التشكيل، مما يجعل الدماغ يعتمد عليها كاستجابة تلقائية للمثيرات.

3. العادات الجيدة مقابل العادات السيئة

في حين أن العادات هي مجرد سلوكيات مكررة، إلا أن البعض منها يكون إيجابيًا ومفيدًا، مثل ممارسة الرياضة بانتظام أو اتباع نظام غذائي صحي، بينما يكون البعض الآخر سلبيًا ويؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها مثل التدخين أو الإفراط في تناول الطعام. الفرق بين العادات الجيدة والعادات السيئة يعتمد على تأثير هذه العادات على حياة الشخص وصحته ورفاهيته.

من المهم أن نعي أن العادات السيئة قد تكون ناتجة عن ضغوط الحياة أو التوتر أو الاكتئاب، وتتشكل عادة نتيجة الشعور الفوري بالإشباع أو الراحة، ولكنها قد تؤدي في النهاية إلى نتائج سلبية طويلة المدى. في المقابل، العادات الجيدة تحتاج إلى مزيد من الجهد والمثابرة لتبنيها، ولكنها عادة ما تثمر في النهاية عن فوائد صحية أو مهنية.

4. العقلية والنية وراء اكتساب العادات

عند الحديث عن اكتساب العادات، تلعب العقلية والنية دورًا كبيرًا في نجاح أو فشل العملية. إذا كان الشخص يمتلك نية قوية لتحقيق هدف معين ويمتلك عقلية مرنة، فإنه سيكون أكثر قدرة على تبني العادات الجيدة وتثبيتها. العقلية الإيجابية، التي تتمثل في إيمان الشخص بقدرته على التغيير والتحسين، تسهم في تعزيز قدرة الفرد على تخطي العقبات التي قد تواجهه في طريق تبني العادة الجديدة.

من جهة أخرى، العادات السيئة غالبًا ما تكون متأصلة في العقل الباطن وتتمثل في أنماط تفكير محددة تكون غالبًا نتاجًا للبيئة المحيطة أو التأثيرات الاجتماعية. لذلك فإن التغيير في العادات يتطلب تغييرات في النمط العقلي والتركيز على النوايا الإيجابية.

5. التحديات التي تواجه اكتساب العادات

تتعدد التحديات التي قد يواجهها الشخص أثناء محاولة اكتساب العادات، سواء كانت تلك العادات تتعلق بالصحة، أو العمل، أو التعليم. بعض هذه التحديات تشمل:

• التحدي الأول: المقاومة الداخلية
  
  من أبرز العوامل التي قد تعيق اكتساب العادات هو التردد أو المقاومة الداخلية. حيث يسعى الإنسان إلى تجنب التغيير ويشعر بالراحة في الروتين اليومي. بالإضافة إلى ذلك، قد يرتبط التغيير بالخوف من الفشل أو الفقدان.

• التحدي الثاني: البيئة المحيطة
  
  تلعب البيئة دورًا كبيرًا في تشكيل العادات. إذا كانت البيئة لا تدعم العادات الجيدة، مثل العمل في مكان مليء بالمغريات التي تؤدي إلى العادات السيئة، فإن الشخص سيجد صعوبة في تبني العادات الإيجابية.

• التحدي الثالث: الفشل المتكرر
  
  العديد من الناس يواجهون الفشل المتكرر عند محاولة اكتساب العادات الجديدة، مما يؤدي إلى الاستسلام. من المهم أن نفهم أن الفشل جزء من العملية وأن استمرار المحاولة هو المفتاح لتشكيل العادة.

6. استراتيجيات فعالة لاكتساب العادات

يمكن اعتماد مجموعة من الاستراتيجيات النفسية والتقنية لتسهيل اكتساب العادات الجديدة والاحتفاظ بها. من بين هذه الاستراتيجيات:

• البدء بترتيب صغير
  
  يقول العديد من الخبراء في مجال تطوير الذات أن النجاح يبدأ من الخطوات الصغيرة. فإذا كنت ترغب في ممارسة الرياضة بانتظام، يمكنك البدء بجلسات قصيرة جداً، ثم تدريجيًا زيادة الوقت.

• الاستفادة من روتين ثابت
  
  محاولة ربط العادة الجديدة بروتين ثابت قد يكون مفيدًا. على سبيل المثال، إذا كنت ترغب في شرب المزيد من الماء، يمكنك أن تجعل شرب كوب من الماء جزءًا من روتينك اليومي بعد الاستيقاظ.

• استخدام تقنيات تعزيز المكافآت
  
  تعزيز السلوك الجيد بالمكافآت يمكن أن يساعد في جعل العادة أكثر إدمانًا. على سبيل المثال، إذا قمت بممارسة الرياضة لمدة أسبوع كامل، يمكنك مكافأة نفسك بشيء تحبه، مثل تناول طعام لذيذ.

• إشراك الأصدقاء أو أفراد العائلة
  
  من المعروف أن مشاركة الأهداف مع الآخرين يزيد من فرص النجاح. مشاركة العادات مع الأصدقاء أو أفراد العائلة يمكن أن يعزز من التزام الشخص في تحقيق أهدافه.

7. العادات السيئة: كيف تتخلص منها؟

تغيير العادات السيئة يتطلب جهدًا متواصلًا وفهمًا عميقًا للسيكولوجيا وراء هذه العادات. غالبًا ما تبدأ العادات السيئة كمصدر للراحة أو المتعة، ولكنها تتحول مع مرور الوقت إلى أنماط سلبية تؤثر على الحياة اليومية. للتخلص من هذه العادات، من الضروري تحديد المثيرات التي تثير العادة، والعمل على استبدال الروتين القديم بروتين جديد.

من الأساليب الفعالة في تغيير العادات السيئة:

• الاستبدال بدلاً من الإلغاء
  
  بدلاً من محاولة إلغاء عادة سيئة تمامًا، يمكن استبدالها بعادة جديدة. على سبيل المثال، إذا كان لديك عادة تناول الوجبات السريعة، يمكنك استبدالها بتناول الطعام الصحي كوجبة خفيفة.

• وضع خطة طوارئ
  
  من المهم أن يكون لديك خطة بديلة عندما تشعر بأنك على وشك العودة إلى العادة السيئة. هذه الخطة تساعد في التحكم في المواقف الصعبة وتجنب العودة إلى السلوكيات القديمة.

• التقييم المستمر والتعديل
  
  الحفاظ على تقييم مستمر للتقدم الذي تحققه يمكن أن يساعد في تعديل العادات وفقًا لاحتياجاتك وتوجهاتك الجديدة.

8. التأثيرات الاجتماعية في اكتساب العادات

العادات ليست فقط نتاجًا للفرد بل تتأثر بشكل كبير بالبيئة الاجتماعية المحيطة. فعلى سبيل المثال، يشير الباحثون إلى أن الأفراد الذين يحيطون أنفسهم بأشخاص يمتلكون عادات صحية أو إنتاجية يكونون أكثر عرضة لتبني نفس العادات. التواصل مع مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون أهدافًا مشابهة يمكن أن يكون له تأثير كبير في تحفيز الشخص على اكتساب العادات الإيجابية.

9. تأثير العادات على الدماغ

من الناحية العصبية، تشير الأبحاث إلى أن العادات تشكل اتصالات عصبية معينة في الدماغ. كلما تكررت العادة، كلما أصبحت هذه الاتصالات أكثر قوة. هذا يفسر لماذا تصبح العادات تلقائية بعد فترة من الزمن. أما بالنسبة للعادات السيئة، فإن الدماغ يعتاد على هذه الأنماط السلوكية مما يجعل من الصعب تغييرها.

10. خلاصة

فهم سيكولوجيا اكتساب العادات هو الخطوة الأولى نحو تشكيل حياة أكثر نجاحًا وصحة. من خلال التعرف على كيفية تكوين العادات وكيفية تحدي العادات السيئة، يمكن للفرد أن يطور قدراته الشخصية بشكل ملحوظ. عملية اكتساب العادات ليست سهلة، لكنها ضرورية لتحقيق الت